جون 1973ء

کلمۃ العدد

''رسول الرحمة محمد صلی اللہ علیہ وسلم''

﴿لَقَد جاءَكُم رَ‌سولٌ مِن أَنفُسِكُم عَزيزٌ عَلَيهِ ما عَنِتُّم حَر‌يصٌ عَلَيكُم بِالمُؤمِنينَ رَ‌ءوفٌ رَ‌حيمٌ ﴿١٢٨﴾... سورة التوبة

ھكذا وصف الله نبيه محمداً عليه الصلاة والسلام وھو يخاطب أتباعه المؤمنين بأن محمداً كثير الحرص عليھم وشديده إذ يھمه ما ينفعهم ويسره، ويحزنه ما يضرھم ويحرجهم، وكان بالغ الرحمة والرأفة بهم، ھذا ھو موقف نبي الرحمة من أمته.

وقد أوجز عليه الصلاة والسلام الهدف من رسالته فيما أوتي من جوامع الكلم حيث يقول عليه الصلاة والسلام: ''إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق'' ومن تلك الأخلاق الكريمة التي بعث نبينا لإتمامھا والدعوة إليھا وحث أتباعه عليھا بشتي الوسائل ومختلف الأسلوب ''الرحمة''. وكانت رسالته رحمة للعلمين (وما أرسلنك إلا رحمة للعلمين). وكان جهاده وقتاله رحمة إذ لم يغز ولم يقاتل قط عصبية وتشفيا. ولم يقاتل لحب الاستعلاء والسيطرة والاستعمار، ولكنه كان يجاھد ليخرج الناس من الظلمت إلي النور، ليخرجھم من ظلمة الجهل إلي نور العلم والمعرفة، من ظلمة الشرك والتذلل للمخلوقين إلي عز التوحيد والإخلاص بعيدا من المواقف التي لا تساير الرحمة، ولذا كان يحفظ للبلدان المفتوحة مكانتها وكرامتھا ولا يهين أھلھا.

وكل من يدرس تاريخ الإسلام ويسرته العطره يدرك ما كان للذميين من الحقوق في الإسلام ويدرك من ذلك حة ما قلناه نحو جهاده وقتاله عليه الصلاة والسلام.

وأما تعاليمه عليه الصلاة والسلام فتنبي ما يكنه صدره الواسع عليه الصلاة والسلام من الرحمة والرأفة والإنسانية والنبل، فلنستعرض بعض النصوص النبوية التي تفيض بھذه المعاني بأوسع مفھومها، يقول رسول الرحمة عليه الصلاة والسلام: ''ارحموا من في الارض يرحمكم من في السماء'' ''من لا يرحم لا يرحم'' ''الراحمون يرحمھم الرحمٰن'' ''ليس منا من لا يرحم صغيرنا ولا يؤقر كبيرنا ولا يعرف لعلمائنا قدرھم''. ''ثم يقول: ''ليس منا من بات شبعانا وجاره جائع''. إلي آخر النصوص الكثيرة التي يحث فيھا عليه الصلاة والسلام أتباعه علي التراحم فيما بينھم علي اختلاف طبقاتھم بحيث يرحم الصغير فيھم ويعطف علي الضعيف المعدم الفقير، ويحترم فيھم الكبير وينزل العلماء منازلھم اللائفة بھم لأنھم ورثة الأنبياء وبعد.

وھل ھناك حياة أرحم من ھذه الحياة وأسعد؟ أو ھناك دين أنزه وأنبل من ھذا الدين؟ ثم ھل ھناك نبي أكرم وأرحم من النبي ﷺ ھذا دينه وتلك شريعته؟ لا وألف لا!

ولو طبق المسلمون عمليا ھذه التعاليم الرحيمة لعاشوا أسعد الحياة وأرحمھا ولدخل الناس في ھذا الدين أفواجًا ليتمتعوا برحمة ھذه الرسالة المحمدية.

ولكن مواقف كثير من المنتسبين إلي الإسلام ھو الذي حال بين الناس وبين التنعم برحمة الإسلام وعزه، فليس العيب عيب الرسالة وصاحبها. حاشا أن يكون فيھا أي عيب. ولكن العيب عيب المسلمين الذين لم يتذوقوا معني الإسلام وما فيه من شيم الأخلاق التي منھا [الرحمة ]. ومن أراد الله له التوفيق والھداية من غير المسلمين إذا أراد أن يفھم الإسلام علي حقيقته في رحمته وعدالته وعزته ونبل أھدافه فليدرس الإسلام في مصادره وفي سيرة نبيه وخلفائه وسلف ھذه الأمة بعد أن يغلق الباب علي نفسه لئلا يري المسلمين الحاضرين وأخلاقھم وتصرفاتھم البعيدة عن تعاليم الإسلام فيقع في حيرة من أمره. كما ھو الواقع. فيحرم بذلك التمتع بھذا الدين ورحمته وما أعد لأتباعه. حقا. في الدار الآخرة دار الجزاء والكرامة، والله المستعان.

وختاما أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يھدي قادة المسلمين حيثما كانوا، ليفھموا الإسلام من جديد ويعتزوا به ثم ليقوموا بالدعوة إليه، إنه أقرب مسئول وخير مجيب.

وصل اللهم وسلم وبارك علي من أرسلته رحمة للعلمين محمد وآله وصحبه.

محمد أمان بن علي الأثيوبي (الأستاذ بالجامعة السلفية، لائلفور).